*بكل هدوء*.. عن فرحة كهرباء مدينة نيالا أقول لكم...
✍ عبد المنعم مادبو
madibu98@gmail.com
ما فعله المسئولون بجنوب دارفور في الايام المنصرمة بشأن موضوع الكهرباء واستجلاب وابورات جديدة لمحطة كهرباء نيالا بطاقة انتاجية (15) ميقاواط أمر أكاد أجزم انه غير طبيعي، لماذا كل هذه الاحتفالات و(الهليمانة) و(الجوطة)، والسادة الكرام منذ أكثر من اسبوع يتحدثون وكأنهم (إكتشفوا الذرة) او حققوا انجازاً غير مسبوق في السودان بل على مستوى الكرة الارضية. الكهرباء يا سادة صارت من ابسط الخدمات التي يتوجب على من تولى مسئولية اي شعب ان يوفرها له ولا شكراً جزيلاً على ذلك خاصة انها سلعة يشتريها المواطن بحر ماله وليست مجاناً، كما توحي الاحتفالات التي شهدتها المدينة هذه الايام، فالحديث الذي دار حول هذه المحطة أشعرني كأننا سنحصل على امداد كهربائي مجاني لا ظمأ بعده للكهرباء ابداً، وهي محطة (اي هذه الوابورات) فرضتها ظروف استثمارية على الاشقاء الاتراك الذين شرعوا في اعادة تأهيل مرفقاً استثمارياً مهماً بالولاية، فتفاجئوا بأن في القرن الحادي والعشرين هنا مدينة اسمها نيالا يقطنها أكثر من مليون مواطن وصنفت المدينة الثانية في المجال الذي جاءوا ليستثمروا فيه تفاجئوا ان المدينة تعيش في القرون الوسطى لا كهرباء فيها ويكتفها الظلام من كل جانب، وسكانها يحملون جوالاتهم النقالة الى السوق والمؤسسات الحكومة لشحن بطارياتها بشئ من الطاقة الكهربائية التي يقفزون بها قفزاً من القرون الوسطى الى القرن الحادي والعشرين، فتقنيات الاتصال هي الوحيدة التي تجعلنا نشعر بأننا نعيش الآن تفاصيل وتطورات هذا العصر، وهي حالة ربما تشبه لحد كبير حالة الانفصام، فعبر تقنيات الاتصال نحن في القرن الحادي والعشرين وبقية الخدمات التي يتوجب على الحكومة توفيرها- خاصة الكهرباء- نحن لازلنا في القرون الوسطى.
فواحدة من الممارسات التي تجعل المرء يقف عندها كثيراً وباستغراب الحالات المشابهة للحالة التي فيها المدينة هذه الايام (قومة، وقعدة) وصرف خارج ميزانية الولاية في موضوع الوابورات الجديدة، واضطر والي الولاية ومعتمد بلدية ووزير الكهرباء الى مغادر فعاليات مؤتمر حزبهم وامتطوا الطائرة الى نيالا بتكاليف هي في الآخر على حساب المواطن المسكين، الذي ظل يتعشم في امداد كهربائي فقده نتيجة للتخبط وعدم وجود ادارة سليمة لمرفق الكهرباء بالمدينة، وكأنما ما تعانيه المدينة في جانب الكهرباء أمر عادي وليس خارج عن المألوف بل أضحى المألوف في نيالا عدم الكهرباء، فلا ادري لما هذه الاحتفالات والابتهاجات والفرح الزائف، فإن ارادوا ارسال رسائل لخلق رأي عام ايجابي فبحسب متابعاتنا للرأي العام الذي خُلق فإنه ارتد على ذلك سلبياً، وكان الأحرى بالوالي وحكومته والوزير الاتحادي تأجيل هذا الزخم ليوم دخول هذه المحطة الى الخدمة والاعتذار لأهل الولاية عن هذا التقصير بدلاً عن هذه الاجواء الاحتفالية التي اصابت الكثيرين بزيادة مستوى ضغط الدم، لأن هناك من ينتظر الحصول على لقمة عيشه من الكهرباء، وهؤلاء يحتفلون في الوقت ذاته بما هو واجب عليهم فعله- كما ذكرت سالفاً- ولا يستحقون عليه شكراً جزيلاً لكنهم نالوا شكراً تبرع لهم به من ظل يمثل الاحزاب السياسية بنبرة تجعل المرء يشفق عليه، وربما كلمة (شكراً) هذه هي الهدف من الاحتفال الذي جاءوا له من الخرطوم، وكان الاحرى بهم ان يقطعوا مؤتمرهم هذا- ان كانت للروح البشرية قيمة في دارفور- عند سماعهم نبأ الاقتتال وازهاق ارواح رعيتهم بسبب تقصيرهم كذلك في فرض هيبة الدولة كان الاجدى بهم ان يأتوا في نهار السبت الدموي بمحلية برام بدلاً عن حضور هذا الابتهاج الزائف حيث هم يحتفلون ويطوفون بالوابورات المدينة ولا يزال المواطن ينتظر الكهرباء ولا زالت الأسر تنتظر فتح باب رزقها الذي اغلق بسبب انعدام الكهرباء بالمدينة ولا زالت هناك ايدي عاملة تسهم في الدخل القومي توقفت عن العمل بسبب خيبة المسئولين بالولاية والكهرباء، ولا زالت المدينة عبارة عن قرية كبيرة يحفها الظلام، فإلى متى نظل نهدر جهدنا ومواردنا في سفاسف الامور، ونصور العمل العادي على انه انجازاً (تقوم له الدنيا ولا تقعد)، لماذا كل مشاريعنا الحيوية ذات الاثر في نهضة البلاد يصاحبها التسويف والمماطلة ونمسك في القشور لنحتفل بها، راجعوا يا سادة يا مسئولين ما تفعله الحكومات الاخرى في سبيل نهضة وتطوير امتها ستصابون بالذهول انظروا ماذا فعلت الحكومة التركية- التي جاءتكم بهذه الوابورات- في بناء نفق (ايلغاز) الذي يربط بين الاناضول والبحر الاسود، والبحرين الاسود والابيض، نفق باتجاهين يبلغ طول كل اتجاه أكثر من خمسة آلآف و(370) متر، نفذ في اربع سنوات فقط، وليست هناك قومة وقعدة في افتتاحه، وماذا تفعل الامارات الآن بمشروع نهر خليفة الذي يجري تنفيذه بفتح مجري لمياه نهر (الديشك) الذي يغرق باكستان في كل عام بفيضانه لتنقل مياهه الى الامارات. بالمقابل طريق الانقاذ الغربي أكثر من عشرين سنة ولا زال لم يكتمل، مشروع مياه نيالا من حوض البقارة (80) كيلو متر بعد مضي أكثر من عشر سنوات لم يبلغ العمل فيه نسبة (30%) حتى الآن، كهرباء نيالا من الخط القومي قال الوزير عبد الوهاب- عليه رحمة الله- انها ستصل بنهاية العام (2013) حتى العام (2033) لن تصل، ونحن نحتفل بمحطات منحت لنا من تركيا بعد خيبة شهرين من التردي غير المسبوق في الامداد الكهربائي بالمدينة.
يا رب اجعلها للأتراك في ميزان حسناتهم واهدنا سبل الرشاد.
تعليقات
إرسال تعليق